الأربعاء، 1 يناير 2020

إدارة رأس المال البشري


 الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية

قد يظن البعض بأن إدارة الموارد البشرية ما هي إلا مجرد وظيفة ثانوية غير ذات أهمية في المؤسسات العامة أو الشركات الخاصة وتقتصر على القيام بأعمال إدارية روتينية مثل حفظ معلومات الموظفين في الملفات الرسمية ومتابعة النواحي اليومية المتعلقة بالموظفين مثل ضبط أوقات الحضور والإنصراف والإجازات والترقيات كما أن البعض يرون أن تأثير إدارة الموارد البشرية محدود على كفاءة ونجاح المؤسسات والشركات وقد إنعكس ذلك الرأي السلبي على تقدير الدور الحقيقي الذي يلعبه فعلياً مدير إدارة الموارد البشرية وكذلك على الوضع التنظيمي لهذه الإدارة بشكل عام. لكن في الواقع فإن إدارة الموارد البشرية تعتبر من أهم المهام الإدارية في المؤسسات والشركات وهي لا تقل أهمية عن باقي الإدارات الأخرى مثل التسويق والمبيعات والمالية والمحاسبة وتقنية المعلومات والعلاقات العامة وذلك لأهمية العنصر البشري بحد ذاته وتأثيره المباشر على الكفاءة الإنتاجية وتحقيق الأرباح ، وقد تطورت مسؤوليات إدارة الموارد البشرية لتشمل أنشطة رئيسية وحساسة من أهمها التخطيط الإستراتيجي ورسم السياسات الإدارية ، تحليل وتوصيف الوظائف وتصميم الهيكل التنظيمي للمؤسسة ككل ، إستقطاب وتوظيف الكفاءات والخبرات ، تقييم الأداء العملي ، برامج التدريب والتطوير ، بالإضافة إلى النشاط الإداري المعتاد المتعلق بشؤون وعلاقات الموظفين في المؤسسات والشركات بشكل عام.

ومن المتعارف عليه بأن إدارة الموارد البشرية تهتم أساساً بالكوادر البشرية أو مايسمى أيضاً "الرأسمال البشري أو المعرفي" وبالطبع فإن نجاح المؤسسات يرتكز في المقام الأول على كفاءة أداء وحرفية العنصر البشري كما أن تنافسية المؤسسات تعتمد في المقام الأول على إستقطاب العناصر البشرية المدربة والمؤهلة حتى تتمكن من إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف المرسومة لها ، وتعنى إدارة الموارد البشرية ليس فقط بإختيار الكوادر والخبرات المناسبة للعمل والقيام بالواجبات والمسؤوليات المنوطة بها ولكن أيضاً في تنمية تلك الكفاءات والمحافظة عليها وتحفيزها من خلال وضع البرامج الإستراتيجية والأنظمة والسياسات التي تنظم العلاقة بصورة واضحة بين أصحاب القرار في المؤسسات والموظفين الذين يعملون بها وتستهدف أولاً وأخيراً الحصول على الأداء الأفضل وتحقيق النتائج والأهداف المطلوبة منها. ويوجد في إدارة الموارد البشرية الحديثة عدة تخصصات وهي: التخطيط ورسم السياسات والإجراءات الإدارية ، تصميم وتحديث الهيكل التنظيمي ، توصيف الوظائف وتقييمها ، إستقطاب الكفاءات والتوظيف ، تقييم ومراجعة أداء العمل الفعلي وقياس نتائج تحقيق الأهداف ، تنسيق متطلبات التطوير الوظيفي ومتابعة برامج التدريب ، إدارة الرواتب والمزايا والحوافز والتعويضات ، علاقات الموظفين. وبالتأكيد فإن هذه التخصصات لا تعمل بصورة منفردة وأحادية وكذلك لا تعمل بمعزل عن التأثيرات الخارجية ومنها الإستقرار السياسي والأمني والإجتماعي والمقدرة المالية والتقنية والفنية للمؤسسة ومتطلبات العولمة الإقتصادية ومخرجات التعليم والتدريب المهني وغيرها والتي تؤثر بصورة أو بأخرى على المؤسسات وإنتاجيتها وبالتالي يصل ذلك التأثير مباشرة إلى كافة الأفراد الذين تتكون منهم المؤسسة في نهاية المطاف.

للأسف غالبية الممارسات الحالية في مجال إدارة الموارد البشرية مبنية فعلياً على الإرتجالية والبيروقراطية المزمنة وقديمة المحتوى والمضمون وليس لها أي جدوى لأنها تفتقر إلى الإستراتيجيات والسياسات الواضحة ولايوجد لديها تطبيق عملي للنظريات العلمية الحديثة في هذا المجال. هنالك العديد ممن يعملون في هذا التخصص الهام ومنهم في مناصب تنفيذية ولكن ليس لديهم أي فكرة عن الإستراتيجيات والأنظمة الحديثة في إدارة وتطوير الموارد البشرية ، ومنهم من يلجأ إلى الخبراء الأجانب الذين يستقدمونهم بتكاليف عالية جداً ويقومون عادةً بتفحص المشاكل وتحديد نقاط الضعف وإبداء الرأي وإقتراح حلول سريعة غير عملية وغير واقعية ولا يساعدون في تطبيق هذه الحلول على أرض الواقع أو تقييم نجاحها فيما بعد. ولذلك فإن الحاجة ملحة الآن لتقديم برامج تدريب مكثفة ومتتابعة في هذا التخصص الهام جداً وإيجاد جمعيات إحترافية تعنى بالممارسين لهذه المهنة الهامة لأنه من المعروف بأن إدارة الموارد البشرية يمكن أن تكون سببا أساسياً ومباشراً في نجاح أو فشل أي مؤسسة أو شركة. ولاشك بأن الجمعيات والمنتديات التي تعنى بالمنتسبين لمهنة تخصصية مثل الموارد البشرية لها دور كبير في تطوير تلك الممارسات المهنية من خلال تبادل الخبرات وحضور الندوات والمؤتمرات المتخصصة في إدارة وتطوير الموارد البشرية وأيضاً تشكيل منتديات ولقاءات دورية لمناقشة الواقع العملي لإدارة الموارد البشرية وآفاق تطويرها. 


الأسس الصحيحة لتقييم أداء الموظفين

تقييم الأداء السنوي للموظفين هو عملية منهجية متواصلة مبنية على عدة أسس متكاملة ومعايير أساسية متناغمة مع إستراتيجية المؤسسة وأهدافها ورؤيتها العامة ورسالتها المجتمعية وقيمها التي تحدد هويتها، وهناك العديد من النظريات والأساليب في هذا المجال ولكن أفضل الممارسات هي التي ترتكز على ربط أهداف العمل الفردية والكفاءات والمؤهلات الشخصية للموظفين مع الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة ويتم من خلالها تحديد الأهداف والإتفاق مسبقاً على مقاييس الإنجاز بدقة لجميع منسوبي المؤسسة بواسطة بطاقات الآداء المتوازن المبنية على عدة محاور وهي في العادة ترتكز على النتائج المالية المتوقعة والإجراءات الداخلية الفعالة والتميز بخدمة العملاء وطريقة إستقطاب وإدارة موارد المؤسسة المالية والتقنية والبشرية بالإضافة إلى المعايير الفنية الهامة لقياس مستوى السلامة والجودة والصحة والبيئة في المؤسسات الصناعية تحديداً. ويتم قياس مستوى الأداء بصورة دورية للتأكد من إنجاز الأهداف المتوقعة وتحديد نقاط الضعف ومعالجتها بصورة فورية ومباشرة ومن ثم إنجاز تقييم الأداء في نهاية السنة بصورة نهائية والتعامل مع النتائج الفعلية كاملةً سواء من حيث تحديد مستوى زيادة الراتب ومنح المكافئات السنوية أو تنظيم برامج التدريب والتطوير وإتخاذ القرارات للترقية الوظيفية.

ومن المؤسف أن العديد من المؤسسات والشركات لاتزال تعتبر أن تقييم الأداء السنوي للموظف هو عملية سرية للغاية يجب إنجازها فقط لتحديد من يبقى على رأس عمله ومن يجب عليه المغادرة إلى غير رجعة!! والمؤسف أن نتائج التقييم تبقى قيد الكتمان الشديد لأسباب غامضة وإعتبارات غير مفهومة وذلك بالطبع يؤدي إلى ضياع فرص النجاح والتطوير لمصلحة المنظمة أولاً وأخيراً وبالتالي خسارتها للكثير من الكوادر المتميزة والكفاءات العالية التي قد تكون مؤهلة فعلياً للقيام بأعباء مهامها ولكن يتم الإستغناء عنها نتيجة لتصفية حسابات كيدية أو مصالح شخصية ضيقة في ظل غياب واضح للقيادة الإدارية الفعالة.

من البديهي أن قيادة أي مؤسسة أو منظمة تسعى إلى ميزة تنافسية أفضل يجب عليها أن تتبنى إستراتيجية فعالة لإدارة الموارد البشرية، وفي حقيقة الأمر فإن حجر الأساس بالنسبة إلى إستراتيجية إدارة وتطوير الموارد البشرية هو العلاقة الهامة والحساسة بين المدير والموظف الذي يعمل لديه بناءً على توجيهاته وتعليماته، والعديد من الأبحاث والدراسات تؤكد على أنه من أهم الأسباب التي تدفع الموظفين فعلياً إلى الاستقالة من عملهم هو علاقة العمل السلبية أو الغير سليمة مع المدير أو المسؤول المباشر وليس بالضرورة الحصول على راتب أعلى أو إيجاد فرص عمل أخرى بمميزات أفضل، وبما أن المدير أو المسؤول المباشر هو العنصر الأقوى تأثيراً في هذه العلاقة فإن إدارة الموارد البشرية مطلوب منها أيضاً العمل على تطوير طريقة فعالة تضمن تعامل المدراء مع مرؤوسيهم بصورة أكثر إيجابية بحيث تتحول هذه العلاقة إلى الشراكة الفعلية في تحديد الأهداف الطموحة وإتخاذ القرارات الحاسمة وذلك بتطبيق أسلوب فريق العمل الواحد وليس بالضرورة ممارسة أوتوقراطية للسلطات الإدارية الممنوحة للمدير والتي قد تتحول في بعض الحالات المؤسفة إلى صلاحيات مطلقة للإضطهاد بإجراءات تعسفية تؤدي إلى ضغط نفسي شديد وبيئة عمل طاردة للكفاءات وغير مرغوب بها، لأن الشراكة المؤسسية وروح فريق العمل تعني المزيد من المسؤولية للمرؤوسين وتعني المزيد من الولاء تجاه مؤسساتهم وبالتالي إمكانية تخطي العقبات وتجاوز التحديات وتحقيق الأهداف المطلوبة.

التطوير المهني للموارد البشرية

من البديهي أن محدودية مخرجات التعليم الأكاديمي لدى غالبية المؤسسات التعليمية العربية والتي يمكن ربطها ‏مباشرة بسوق العمل ومتطلباته المهنية في بعض المجالات التخصصية وخاصة التقنية ستؤدي حتماً لقصور ‏حاد في تلبية الإحتياجات المتزايدة في عالم التجارة والأعمال التي تتطلب مؤهلات علمية متقدمة وخبرة عملية ‏لرفد صناعات متخصصة وهامة مثل البترول والغاز وتقنية المعلومات والبنوك والإستثمار المالي وتطوير ‏مشاريع البنية التحتية وإدارة المشاريع والمبيعات والتسويق هذا غير المجالات الطبية والهندسية، وبشكل عام ‏فإن غالبية البرامج التعليمية في الوطن العربي لاتزال فعلياً ترتكز وبشكل أساسي على تدريس النظريات العلمية ‏الأساسية كما هي مذكورة في الكتب الجامعية والمراجع الأكاديمية فقط وهي قديمة بطبيعة الحال وتفتقر إلى ‏التطبيقات العملية الفعلية ولا تشجع الإبتكار أو حتى تنمية روح الإبداع لدى الأجيال القادمة والنتيجة الطبيعية ‏لمثل تلك المناهج العقيمة أن الخريجون الجامعيون العرب تحديداً لديهم ضعف ملحوظ في المجالات العملية ‏التطبيقية لما سبق وأن تعلموه في الجامعات والمعاهد حسب التخصص الأكاديمي وبالتالي عدم مقدرتهم فعلياً ‏على دخول سوق العمل المحلي مباشرة بدون تدريب مهني مكثف مسبق بالإضافة إلى عدم إمكانية التواصل ‏والعمل باللغة الإنجليزية لمواجهة التنافسية المتزايدة من الكوادر البشرية الأجنبية على المستوى الإقليمي أو ‏الدولي، وهناك حاجة ملحة لإطلاق برامج تدريب وتأهيل مهنية متخصصة لرفع المستوى المهني للخريجين ‏الجامعيين قبل وأثناء دخولهم سوق العمل.‏

وبالرغم من ذلك الواقع التعليمي المرير في الوطن العربي فإنه يوجد العديد من المؤسسات والشركات العربية ‏المرموقة التي إستقطبت كوادر وكفاءات عربية متميزة تمكنت من التفوق في جامعات أجنبية وتقوم بعملها بتفانٍ ‏وإخلاص طبقاً لأصول المهنة الإحترافية ويتضح ذلك من خلال الرغبة الأكيدة للباحثين عن فرص عمل ‏للإلتحاق بتلك المؤسسات والشركات دون غيرها والتي يبدو أن لديها رؤية واضحة على المدى البعيد ‏وإستراتيجات عمل فعالة وإدارة وتطوير موارد بشرية حديثة تعامل منسوبيها حقاً على مستوى كبير من الإحترام ‏والتقدير يرقى إلى وصفها بأنها مكان العمل المفضل للباحثين عن أفضل الفرص العملية، ومنها على سبيل ‏المثال العديد من شركات البترول والغاز والإتصالات والشركات التجارية الأخرى الكبيرة والمتوسطة، ولاشك أنه ‏يوجد تطوير متواصل وجهود مكثفة للنهوض بشركات التأمين والقطاع المالي والمصرفي في الوطن العربي ‏ولكن في الحقيقة لايوجد حتى الآن مؤشرات واضحة تعطي الإنطباع بأن الكوادر الفنية والإدارية التي تعمل في ‏بعض المؤسسات المالية العربية قد وصلت إلى مستوى الحرفية المطلوب والتميز المنشود وخاصة إذا ما تم ‏مقارنتها بالمؤسسات المالية العالمية والبنوك الدولية المعروفة، وقد يكون من المفيد توزيع إستبيان دوري عن ‏مستوى رضى العملاء عن نوعية الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات المالية وتحليل النتائج للوصول إلى ‏معطيات محددة لتطوير الكوادر العاملة فيها وتحديث نوعية الخدمات بصورة أفضل. وبشكل عام فإنه من ‏الضروري تأسيس جائزة الريادة العربية في مجالات العمل المختلفة وتكريم للقيادات الإدارية العربية من ذوي ‏الآداء الإداري المتميز ضمن إحتفالية سنوية كبرى يتم تخصيصها لهذا الغرض.‏

المواصفات الشخصية للمدير التنفيذي الناجح

هناك عدة مواصفات يجب أن تتوافر في التكوين الأساسي لشخصية المدير الناجح ومنها الخبرة العملية التخصصية والقدرة على تحقيق أهداف العمل بكفاءة وحرفية ، الولاء والإنتماء للمؤسسة أو الشركة والإعتزاز بالعمل ، الثقة بالنفس وقوة الشخصية بدون تعالي والتأثير الإيجابي فى الآخرين ، النزاهة والأمانة والأخلاق الحسنة والسمعة الطيبة وأن يكون قدوة حسنة لمرؤوسيه ومثلاً يحتذى به ، ويجب أن يكون موضع ثقة الرؤساء وتقدير الزملاء وإحترام الأصدقاء ، ولديه الحكمة فى إتخاذ وتنفيذ القرارات الصعبة وعنده سرعة البديهة والذكاء وحسن التصرف فى المواقف الحرجة والقدرة على التحكم بالأمور الطارئة ، حسن السلوك فى التصرفات الشخصية مع الإتزان الإنفعالى والسيطرة على النفس ، عدم التمييز والعدل والمساواة فى التعامل مع الموظفين بشكل عام ، المقدرة على التحليل المنطقي والتقدير السليم والحكم على الأمور بموضوعية وواقعية ، التواضع فى التعامل مع الآخرين وإحترام الرأي الآخر ، القدرة على التعبير عن أفكاره وآراءه بوضوح ، أن يكون مثقف وواسع الإطلاع ولديه الرغبة فى العلم والمعرفة ومتابعة المتغيرات ، لديه الشجاعة والجرأة فى قول الحق والعمل به ، دائم الحماس والإيجابية ، لديه روح المبادرة وقوة التحمل والصبر ، وأن يكون لديه طموح وأمل دائم في تحقيق التفوق والنجاح. 

بالطبع هذه المواصفات ليست مثالية حتماً إنما هي ممارسات يومية طبيعية للمدير المتميز الناجح.